ولمَّا سوَّى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عـLــيه وسلَّمَ بيْن الجِهادِ وبيْن عَدَمِه -وهو المرادُ بالجلوسِ في أرْضِه الَّتي وُلِدَ فيها- في دُخولِ المؤمنِ باللهِ ورَسولهِ، المُقيمِ للصَّلاةِ، الصَّائمِ لرَمَضانَ في الجنَّةِ؛ استَدْرَكَ صلَّى اللهُ عـLــيه وسلَّمَ قولَه الأوَّلَ بقَولِه الثَّاني: «إنَّ في الجنَّةِ مِئةَ دَرَجةٍ أعَدَّها اللهُ لِلمُجاهِدينَ في سَبيلِ اللهِ» إلى آخِرِه، وتَعقَّبَ بأنَّ التَّسويةَ لَيست عـLـي عُمومِها، وإنَّما هي في أصْلِ دُخولِ الجنَّةِ، لا في تَفاوُتِ الدَّرَجاتِ، فأَخبَرَهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عـLــيه وسلَّمَ بدَرَجاتِ المجاهِدين في سَبيلِ الله، وبيَّن مَنْزِلَتهم في الجنَّةِ؛ لِيُرغِّبَ أُمَّتَه في مُجاهَدةِ المشركينَ وإعلاءِ كَلمةِ الإسلامِ، ودَرَجاتُ الجنَّةِ كثيرةٌ لم يَرِدْ حَصْرُها في عَدَدٍ، فهذه مِئةٌ أُعِدَّتْ للمُجاهِدين، ثمَّ قال: «فإذا سَأَلتُم اللهَ فاسأَلوه الفِرْدَوْسَ» وهو البُستانُ يكونُ فيه الشَّجَرُ والزُّهورُ والنَّباتاتُ؛ «فإنَّه أَوسَطُ الجنَّةِ، وأعلَى الجنَّةِ»، والمرادُ بالأوسَطِ هنا: الأَعْدَلُ، والأفضَلُ، كقولِه تعالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]، وقيل: المرادُ بالأوسَطِ السَّعةُ، وبالأعْلى الفَوقيَّةُ. «فَوْقَه عَرْشُ الرَّحْمَنِ» فيَكونُ لها سَقفًا، فعَرْشُ الرَّحمنِ فوقَ كلِّ دَرَجاتِ الجنَّةِ، وهو أعْلَى المَخلوقاتِ وأكْبَرُها وأعظَمُها، ومِن الفِردوسِ تَتَّفجَّرُ أنهارُ الجنَّةِ الأربعةُ، فتَسيلُ وتَنبُعُ، وهي الأنهارُ المذكورةُ في قولِه تعالَى: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} [محمد: 15].
وفي الحديثِ: الحَثُّ عـLـي أداءِ فَرائضِ اللهِ سُبحانه وتعالَى.
وفيه: الحثُّ والتَّرغيُب في الجِهادِ في سَبيلِ اللهِ وإعلاءِ كَلمتِه.
وفيه: أنَّ الفِرْدَوسَ فوقَ جَميعِ الجِنَانِ.
وفيه: تَأنيسٌ لمَن حُرِمَ الجِهادَ وأنَّه ليس مَحرومًا مِن الأجْرِ، بلْ له مِن الإيمانِ والْتزامِ الفرائضِ ما يُوصِلُه إلى الجنَّةِ وإنْ قَصُرَ عن دَرَجةِ المجاهِدينَ.
الموسوعة الحديثية:
🌿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ🌿